2/تبسة عبر التاريخ:*مرحلة ما قبل الاسلام*
1.1/ نبـذة عن عصور ما قبل التاريخ والعصور الحجرية في تبسة
الإنسان الذي استوطن بمنطقة تبسة ، عاش إثني عشرة ألف سنة قبل الميلاد، وتطور عبر عشرات السنين في منجزاته حيث صنع أدواته وأسلحته من الأحجار والصوان وغيرها وهي حقبة طويلة قسمها علماء التاريخ إلى عدة أدوار، يتم ذلك حسب تشذيب القطع الحجرية وأطلق عليها بالعصور الحجرية . يبدو أنه لم تقع أي دراسات ولا تنقيبـات لتصنيفهـا حسب تطوراتهـا والتعاقب الزمنـي عليها .
وحددت بالمواقع التي أكتشف الأثريون فيها نماذج من صناعاتهم الحجرية، التي على إثرها إعتقد كثير من الباحثين في التاريخ القديم، بأن منطقة تبسة كانت آهلة بالسكان في العصور ما قبل التاريخ، لعثورهم على بعض المخلفات الأثرية، فبعد التنقيب العلمي والدراسة أعطيت صورة واضحة لكل المراحل والحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة ( قبل إكتشاف الكتابة الليبية)، وخاصة الأماكن التي مكث بها ذلك الإنسان طويلا مخلفا بصماته داخل الكهوف وعلى جدران الجبال كدليل لوجوده مثل : قبور القسطل بعين الزرقاء ، و ( متكي ناور) بالماء الأبيض، وتازبنت بالشريعة، وفج غليلاي، وخنقة الموحد، ورماديات "سيدي محمد الشريف" على روابي جبل الزيتون، ورسوم الكهوف الحمراء على مسافة قريبة من جبل الدكان جنوب المدينة، تعود إلى العصر الحجري القديم (الباليوليتي)، وتعاصر الأدوار الشيلية والأشولية المستوية والعاترية؛ حيث توصل الإنسان إلى إختراع الفوؤس اليدوية من لب الحجارة بعد تشذيبها ، إستخدمها للهجوم والدفاع، كما إستعمل شظاياها كمكاشط وسكاكين وسهام .
ولقد وضع العلماء مخططا توضيحيا لأشهر مواقع ما قبل التاريخ تتمثل في المواطن الأتية: (ونزة، بوخضرة، جبل القسطل، مرسط، برج القائد، الكويف، بولحاف الدير، بكارية، الحمامات، جبل المستيري، جبـل قريقر، تازبنت، الماء الأبيض، الشريعة، قساس، ثليجان، بئر السبايكية، المزرعة، الدرمون، قنطيس، الجرف، رأس العشر، بئر العاتر، وادي جبانة). ولقد قدر تاريخ هذه المواقع بواسطة كربون 14 (المشع) 6800 سنة ق.م، والحضارة القفصية قدرت بـ 6100 ق.م .
العصر الحجري المتوسط ( الألف الثالث قبل الميلاد)
كما إكتشفت مواقع كثيرة لهذه الثقافة القفصية من أهم مراكزها تبسة( في جبل الدريمين بلاد النمامشة )، حيث أصبحت الأدوات أكثر تنوعا ودقة مثل النصال ،المثاقب والمكاشط وكذلك رماديات خنقة الموحد، كما عثر بها على 42 محلزة في منطقة نصف قطرها 30 كلم وتدعى بالرماديات (الببّوش)، كان الإنسان حين ذاك يأكل الحلزون ويرمي بصدفه، حتى تراكمت وكونت تلالا استخرجت منها شظايا تعود إلى الطور القفصي الذي قدر تاريخها ب 2900 سنة ق م .
تبسة في العصر الحجري الحديث
بدا الإنسان العاقل في التطور، حيث أخذت صناعته تزداد تنوعا ودقة، فوصل الإنسان في تلك الفترة إلى مستوى متطور من التحضر، نتيجة للأدوات والوسائل المستعملة في حياته( المثاقب، السهام)، فكان العصر الحجري الحديث؛ الذي بدأ فيه الإنسان استغلال الزراعة والرعي وبناء الأكواخ. وقد ذكر الشيخ "عبد الرحمان الجيلالي" في كتابه (تاريخ الجزائرالعام) مدينة تبسة في العصر الحجري الأوسط:"عرفت منطقة تبسة نوعا من التقدم البشري، وذلك بإستعمال عظام الحيوانات، وبيض النعام، فصنعت منها الأوعية والإبر والسكاكين والمساحي، وهذبت فيها الأدوات الحجرية نوعا ما، وانتقل السكان من المغارات إلى الأكواخ المستديرة والمربعة، وعني الإنسان في هذا الدور بالمدافن، فكانت القبور فيه على شكل هدم مبني بالحجارة." وهذه من الأدلة المادية على أن الإنسان توصل إلى مرحلة الزراعة والرعي والإنتاج وتخزين الطعام والبذور، وبداية حياة الاستقرار فعلا، ومنها تحول إلى مرحلة التعبير عن أفكاره؛ بالرسوم على الأواني الفخارية، وعلى العظام والعاج وقشور بيض النعام بالرموز الكتابية. وقد تكونت الفترة الممهدة لاكتشاف الكتابة (تماغت أوتيفيناغ ) والتي لم تحل رموزها بعد، وعليه يمكننا مساندة رأي طائفة من كبار المؤرخيين الذين ذهبوا إلى أن النومديين الليبيين توصلوا قبل قدوم الفنيقيين إلى الشواطئ الجزائرية سنة 1200 ق.م، إلى معرفة الفلاحة والرعي وتربية الحيوانات وبناء الأكواخ التي آلت إلى مساكن وقصور، وأصبحوا يعيشون في نظام اقتصادي وإجتماعي وسياسي ، ويقال أن ظهور السفن الفنقية يعتبر حادث كبير يفصل بين العصور التارخية وماقبل التاريخ .يتبع...