القناص الفائز في مسابقة من أنا
عدد الرسائل : 642 العمر : 34 الموقع : http://www.rasoulallah.net/index.asp العمل/المهنة : عضو مكتب شعبة عبد الحفيظ سعيد مستوى النضال : 1912 تاريخ التسجيل : 05/02/2009
| موضوع: استقبال العشر الأواخر من رمضان الخميس سبتمبر 02, 2010 1:51 am | |
| السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الحمد لله الذي جعل الصيام جُنَّة من العذاب وكفارة للآثام؛ وأنزل فيه كتابه الفارقَ بين الحلال والحرام؛ وفتح فيه أبواب رحمته وضاعف فيه الإنعام؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسولُه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه هداة الأنام ومصابيح الظلام . أما بعد : فها هي قد أظلتنا العشر الأواخر, وهي أهمُّ أيام شهر رمضان المبارك, فالواجب على المسلم أن يري الله ﻷ من نفسه خيراً؛ وأن يجتهد فيها غاية الاجتهاد؛ لأنها غنيمة ساقها الله إليه؛ كما أنّ الواجب على المسلم أن يغتنم الفرص ومواسم الخير, وقد تفضل الله عليه بأن مكنه من شهود هذه الأيام, فليجتهد في عبادة الله على الوجه الذي يرضيه عنه . ومن الأعمال المشروعة في العشر الأواخر؛ إحياء هذه العشر بالانقطاع لعبادة الله تعالى؛ والابتعاد عن فضول الكلام وفضول النظر وما لا ينفع المسلم في آخرته . إنَّ هذه العشر الأواخر أيامٌ مباركة؛ فالواجب على المسلم أن يغتنمها وأن يتعبد الله فيها, وأنْ لا يترك سبيلاً يستطيع من خلاله أن يصل إلى مرضاة الله إلا اجتهد فيه, ولذلك جاء عن أمِّنا عائشةلقالت :« كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره, وأحيا ليله وأيقظ أهله » . وهذا معناه أن المسلم يجتهد غاية الاجتهاد, فشد مئزره عليه الصلاة والسلام معناه أنه كان يعتزل النساء من أجل التفرغ لعبادة الله, ولعله لا يُطمَع من كثير من الناس أن يصل إلى هذه الدرجة ولكن هذا لا يمنع أن يُطلب من المسلم أن يتعبدَ لربه ويعلمَ أنه في موسم عظيم من مواسم الخير, وأن منتهى الغبن والخسارة العظيمة أن تفوته هذه الأيام ولم يغتنمها بطاعة الله تعالى . وكان صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله, وهذا فيه دليل على أن المسلم يعين أهله على الطاعات وينبههم على مرضاة الله ؛ فهو يجتهد في إصلاح نفسه, ويجتهد في تعليم أهله ما ينفعهم في هذه العشر . ولا يلزم أن يكون المسلمُ قد بلغ الكمال في طاعة الله حتى ينصح الآخرين, فلو لم يكن ينصح الناس إلا رجل قد بلغ المبلغ العالي من الطاعات فما كان أحدٌ ليستحق أن ينصحهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم , ولكنَّ المرء يُذكِّر أهله وأولاده بطاعة الله, ويعظهم بأعظم موعظة وهي أن المسلم إذا كان قد أدرك هذه الأيام فلعله لا يتمها, أو لا يدرك شهراً آخر, ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد غاية الاجتهاد فيوقظ أهله ويشد مئزره ويحيي ليله, وإحياء الليل كان بقراءة القرآن والصلاة والذكر؛ ويدل على ذلك أن أمَّنا عائشة قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح» ؛ أي أنه لم يقم ليلة كاملة في صلاة, وهذا يدل على أنه يحييه بالصلاة وقراءة القرآن والذكر؛ وأن يخلو بنفسه عن الناس؛ ويجعل لنفسه عزلة يراجع فيها حساباته؛ فيراجع ذنباً قد ستره الله عليه فيتوب منه, ومظلمة للناس فلا يستمر عليها , فإنَّ الموت أقرب للعبد من شراك نعله, وليس بينه وبين الموت إلا أن تقبض هذه الروح؛ فلا بد أن يراجع المسلم نفسه . فاجعل لنفسك دائماً خلوة تراجع فيها حساباتك وتقصيرك في جنب اللهﻷ؛ فإنَّ أصدق الناس مع الإنسان هو نفسه؛ فهي التي تعرف مواضع السداد والخلل, فتعرف إذا كان كريماً أو بخيلاً؛ شجاعاً أو جباناً, رحيماً أو قاسياً؛ مصلحاً أو مفسداً نمّاماً؛ رزيناً أو أضحوكةً يستخف به الناس؛ متكلماً بليغاً بصدق أو أنه يمتهن الكذب حتى يلتفت إليه الناس ليقولوا ما أبلغه . فلن يصدُق مع المرء مثل نفسه, وإلا فنحن في وقتٍ لا يعطي الناسُ بعضُهم بعضاً ما يكون من خلاصة قلوبهم إلا القليل النادر الذي لا يكاد يُذكر؛ وهذا ليس من باب التشاؤم ولكنه من باب الواقع المفروض الذي نراه . تخلّص من المظالم, واجتهد في إقامة العبادات, إن كان ثمة حقٍّ سُلب فأعده, وإن كان هناك حرامٌ تخوض فيه كأموال الربا والأموال المحظورة التي تكون ناتجةً من التجارات المحرمة فأسرع يا عبد الله بالتخلص منها فلن ينجيك من الله تعالى إلا أن تأخذ بطاعته وتقف عند حدوده, فليس لك من الله من عاصم ولن ينجيك أحدٌ من الله إلا إذا سعيت إلى نجاة نفسك, فاجتهد في تخليص نفسك مما يشوبها من المفاسد والذنوب والمعاصي والآثام والمظالم وابرأ إلى الله مما كنت عليه من الذنوب ومظالم العباد . ويسن للمسلم في هذه العشر أمورٌ كثيرةٌ؛ من أعظمها أن يتحرى ليلة القدر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه». قال الله عز وجل عن القرآن: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنا منزلين * فيها يفرق كل أمر حكيم) . فهذا القرآن العظيم أنزله الله سبحانه في تلك الليلة المباركة, وهذه الليلة المباركة كثيرة الخير, ولذلك أسماها الله تعالى مباركة؛ فينزل فيها الأمر ويُفصَل من اللوح المحفوظ الذي لا يبدَّل فيه شيءٌ ولا يغيَّر؛ إلى الصحائف التي في أيدي الملائكة؛ والتي تُكتَب فيها الآجال والأرزاق . وقال تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ؛ القَدْر: الشرف والعظمة؛ (وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر) ؛ أي: خير من عمل ألف شهر . فيا خسارة من فاته هذا الفضل العظيم . (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)؛ تنزل الملائكة بالرحمة والبركة والخير؛ (والروح)جبريل عليه السلام وقد خُصَّ بذلك لشرفه . (سلام هي حتى مطلع الفجر)؛ لهم السلامة من المخاوف؛ لأنهم يحظون في هذه الليلة بأن يكونوا عتقاء من النار . وينتهي وقت ليلة القدر بطلوع الفجر؛ فيجتهد المسلم فيها بالتنويع بين أوجه العبادات من صلاة وقيام وذكر وتسبيح, ومحاسبة النفس؛ فيتذكر ذنباً فيبكي عليه؛ ومظلمة فيبكي عليها, وقطيعة فيصلها, وهكذا مما يحاسب الإنسان به نفسه . واعلموا أن المرء إذا كان له نفسٌ لا تلومه على ما يأتي من الإثم حُقَّ له أنْ يُعزّى في نفسه؛ فإنّه يُخاف عليه أن يكون الله قد ختم على قلبه، واحمد اللهﻷ من حاله . إخواننا: لا تظنوا أن دعاء البلاء الذي أَمَرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقوله عند رؤية المبتلى فنقول: « الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً » ؛ لا تظنُّوا أن هذا البلاء مقصور على أصحاب العاهات كالحريق والكسير والمريض, فإن أعظم الابتلاءِ ابتلاءُ المرءِ في دينه, فإذا رأيت الرجل يصلي ويصوم ولكن يشتكي منه البلادُ والعبادُ والبهائم, فيقطِّع الصلات بين الناس, ويشتم هذا ويسب ذاك, فقل الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا؛ فإنَّ أعظم الابتلاء يا عباد الله الابتلاءُ بأمر الدين؛ فإذا رأيت مَن هذا وصفه فاحمد الله الذي عافاك من حاله, واعلم أنك على خيرٍ أنْ لم تكن مثله؛ ألم يُذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأةٌ تقوم الليل وتصوم النهار فقيل له: « إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا خير فيها؛ هي من أهل النار» .فكيف الذي تشتكي منه الخلائق والبهائم, ولا تعينه نفسه حتى على مقولة الخير؛ فلو جاء فقير يسأل فأراد أن يتصدق عليه أحدٌ؛ لقال :لِمَ تعطيه؛ ولو أنَّ رجلاً احتاج إلى إنهاء معاملة فرقَّ له قلبُ أحدٍ من الناس فأراد مساعدته لخذَّل عنه وقال: إنَّ فيها كذا وكذا؛ ولا يزال به حتى يصرفه عما أراده من فعل المعروف, فمثل هذا مخذولٌ لم تعنْه نفسه حتى على قول الخير فضلاً عن فعله؛ فإذا رأيت مثل ذلك فاحذر أن تسلك طريقه واحمد الله ﻷ أنْ عافاك من حاله . وحريٌّ بالعبد أن يشتغل في مثل هذه الأيام بإصلاح حاله, وأهمها إصلاح سريرته مع اللهﻷ؛ قال بعض السلف: أصل الانتكاسات ذنوب الخلوات؛ وهي التي يخلو بها بينه وبين نفسه؛ نسأل الله أن يعافينا من ذلك . ومما يسن للمسلم في هذه الليالي أن يتحرى ليلة القدر في الوتر منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان » أي: الأيام الفردية. فلا يحسن بالعبد أن يكون نشيطاً قد أمده الله سبحانه بالصحة وسلامة البدن فلا يقوم إلا ليلة سبع وعشرين؛ وأين الضمان بأن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: « ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»؛ وقال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان؛ ليلة القدر في تاسعة تبقى؛ في سابعة تبقى؛ في خامسة تبقى» ؛ أي أنها تتنقل بين ليالي الوتر, فالواجب على المسلم أن يجتهد في ليالي العشر كلها رجاء ما عند الله, لأن كل ليلة تُبْنى على الليلة التي قبلها, فإذا أقبل المسلم على العمل الصالح وكان قد اعتاد العبادة فلن تثقل عليه ليلة دون ليلة . هذا واعلموا أن الذنب لربما يحجب العبد عن نعمة عظيمة وهي شهوده تلك الليلة؛ فليحرص المسلم على أن يبْتعد عن الذنوب والمعاصي, وأصل الذنوب والمعاصي من مخالطة الناس؛ فإنهم يجرونك إلى ما لا تريد من سيّء الكلام والغيبة والنميمة؛ فأقلل من مخالطة الناس؛ واجعل لنفسك وقتاً تخلو فيه بربك سبحانه. إنّ تحرى ليلة القدر والاجتهاد فيها من علامات الصالحين, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في تحريها؛ فقد اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف الأوسط ثم قال صلى الله عليه وسلم : « إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة؛ ثم اعتكفت العشر الأوسط؛ ثم أُتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه » . ومن السنن في هذه الأيام الاعتكافُ في مسجدٍ يخلو به لعبادة ربهﻷ , والاعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق والاجتهاد بخدمة الخالق, فيعتكف في مسجد ويتزود من الخير؛ كالصلوات وقراءة القرآن والأذكار المشروعة وهكذا، والاعتكاف أمر مسنون فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر؛ وفي آخر رمضان أدركه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يوماً, وقد اعتكف أزواجه بعده, واعتكف أصحابه رضي الله عنهم؛ فمن استطاع أن يعتكف فليعتكف فإن ذلك من السنن المشروعة . فإذا اعتكف المسلم فلا يخرج إلا لحاجة, كأن يخرج لدورة المياه أو ليستحم من جنابة, وله أن يشترط على نفسه الخروج لبعض الأمور كعيادة مريض أو الذهاب لوظيفته ثم إذا رجع لزم المعتكف؛ ولا يخرج لغير ذلك فإنه ممنوع على المعتكف . ومن الواجبات المفروضة التي تجب في آخر هذا الشهر زكاة الفطر؛ وزكاة الفطر فريضة على المسلمين, قال ابن عمر : « فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين؛ وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة » . فهذا الحديث يبيِّن أموراً مهمة تتعلق بزكاة الفطر . فلا بدَّ أن يؤدِّي المسلمُ زكاة الفطر من الطعام, فلا يجزئ أداؤها من الأموال النقدية أو الأواني وما شابه ذلك . وتُؤدَّى هذه الزكاة من قوت أهل البلد؛ ويدل على ذلك قول أبي سعيد الخدري: « كنا نُخرِجُ زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام, وكان طعامُنا يومئذٍ الشعير والزبيب والإقط والتمر » . والواجب أن تُؤدَّى هذه الزكاة في وقت محدد معلوم, فأفضل الأوقات الذي تُؤدَّى فيه هذه الزكاة أن يؤدِّيها قبل صلاة العيد, قال ابن عباس :« فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين؛ من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة؛ ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات » .ويجوز أن تُؤدَّى هذه الزكاة في آخر يومين من رمضان لفعل بعض الصحابة رضي الله عنهم . ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد إلا لعذرٍ قاهر كأن يكون في مكان بعيد وليس عنده أحدٌ من الفقراء, أو أن يغلبَه النوم فلم يستيقظ إلا بعد الصلاة؛ أو أن ينساها؛ فهنا يجوز له أن يخرجها ولو بعد الصلاة؛ وعليه أن يبادر بذلك دون تأخير . أما تأخيرها بعد صلاة العيد من أجل انتظار فقيرٍ بعينه؛ فإن هذا لا يجوز لأنها عبادة مؤقتة بوقت . وتجب هذه الزكاة على من أدرك غروبَ شمسِ ليلة العيد وهو حيٌّ . فلو وُلِد له مولودٌ قبل غروب شمس ليلة العيد فقد وجبت عليه الزكاة؛ ولو مات رجلٌ قبل الغروب فإنها لا تجب عليه زكاة الفطر؛ فالحكم يتعلق بليلة الفطر, وليلةُ الفطر تبدأ بغروب شمس اليوم الذي قبلها . فعليكم بالاجتهاد في هذه العشر, واعلموا أنها غنيمة ساقها الله إليكم؛ فأروا الله من أنفسكم خيراً واشتغلوا بعبادة الله؛ فإنما هي أيام معدودة توشك أن ترتحل, فيُغبَط فيها الرابحون, وإنما الخسارة العظيمة على من فاتته هذه الأيام ولم يحصل منها على خير قال صلى الله عليه وسلم : « رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له » .نسأل الله أن يفقهنا في ديننا؛ وأن يوفقنا لطاعته, وأن يسلك بنا سبيل مرضاته وأن يجعلنا هداة مهتدين, غير ضالين ولا مضلين .
| |
|