المجازر التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي , ويراها الناس من على الشاشات والفضائيات, لم تترك لذوي الألباب كثير تفكير , ولا لأصحاب الفكر والنظر طول تأمل , فهناك شعب مسلم يتعرض للذبح تحت سمع وبصر العالم وبموافقة حكومات عربية وأجنبية وصمت أممي يذكرنا بالنكبة الأولى لشعبنا الفلسطيني وبنكبة أهلنا في البوسنة ونكبة الروانديين والكثير من الشعوب المغلوبة .
وهذا يتطلب تحرك فوري لوقف هذه المذبحة , ورحم الله المعتصم العباسي فقد أخبرنا ابن الأثير في الكامل انه في سنة 214هـ - 829م هاجم الامبراطور البيزنطي تيوفيل أطراف الدولة العباسية وبلغ مدينة " زبطرة" مسقط رأس المعتصم فدمرها وحرقها ودخل مدينة ملطية فهدم حصونها وسبى المسلمات وسمل أعين المسلمين وقطع أنوفهم وأذانهم, فقام الخليفة العباسي على رأس جيش هاجم فيه جيش تيوفيل وهزمه شر هزيمة ودخل عمورية مسقط رأس تيوفيل فدمرها وحرقها .. ومضى مع القوم الكافرين على قاعدة العين بالعين والجروح قصاص. ورحم الله شاعرنا لما قال :
دعنا نسافر في دروب أبائنا ** ولنا من الهمم العظيمة زاد
ميعادنا النصر المبين فان يكن ** مرت فعند الهنا الميعاد
دعنا نمت حتى ننال الشهادة ** فالموت في دروب الهدى ميلاد
والحقيقة انَّ اسرائيل لو علمت علم اليقين أنَّ مقابل كل صاروخ سينزل على القطاع سيقابله آخر ينزل على تل أبيب ما فعلت الذي فعلت ولكنها أدركت ان حكامنا دمى في ملعب العم سام لذلك استأسدت على الدعاة والعلماء والركع السجود تهدم عليهم المساجد وتقتل الاطفال والنساء والشيوخ , ففي عالم الحكام انما هذه أرقام تزال على خطى فكر وهدى النظرية المالتوسية .
جميل ما فعله شيخنا وعالمنا وأستاذنا العلامة يوسف القرضاوي والوفد المرافق له من الاتحاد العالمي للعلماء في زياراتهم للحكام العرب لعلهم يثيرون فيهم بقايا نخوة مركوزة في زاوية من زوايا نفوسهم. ولكن الحقيقة أنَّ العلماء مطالبون فيما هو أكثر من ذلك وخاصة في هذا الوقت العصيب , فعلى العلماء كل العلماء ممن حملوا العلم الشرعي وتخصصوا به وجلسوا للناس في الافتاء والتوجيه والتصويب أن يسارعوا الى فك رقابهم قبل فوات الاوان .
وقد وصلنا أنَّ ابو بكر ابن عياش قال ," قال لي رجل مرة وأنا شاب : خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الاخرة , فانَّ أسير الآخرة غير مفكوك أبدا . فما نسيتها أبدا- حلية الأولياء 8/303" .
على العلماء في العصر الذي نعيش أن يرتقوا الى مستوى الحدث , وأن يستلهموا دور الامام الاوزاعي والثوري وسفيان من السابقين والامام النورسي من المعاصرين ، هذا العالم الأشم الذي وقف لاتاتورك يلفح وجهه في حقيقة خيانته للأمة وذلك لما أرسل وراءه أتاتورك يستشيره في بعض الأمر فقال له الإمام ناصحا بالصلاة , فقال اتاتورك للشيخ غاضبا : لقد دعوتك الى هنا لأستفيد من أرائك المهمة , ولكنك بدلا من ذلك لم تتحدث الا عن الصلاة , فكان جواب الشيخ : إعلم يا باشا إنَّ أعظم حقيقة تتجلى بعد الاسلام انما هي الصلاة وأنَّ الذي لا يصلي خائن , وحكم الخائن مرفوض- مواقف بطولية من صنع الاسلام".
فيا ترى كم من الحكام تارك للصلاة معاقر للخمر والحرام ومعاقر للمحرمات , وهل وجه العلماء النصح المباشر الى هذه الزمر التي تحكم الشعوب بالنار والحديد , ونحن نعلم أنَّ أعظم الشهادة الصدع بالحق عند سلطان جائر ولقد بكى رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم حمزة فقال فيه " ... ولكن حمزة لا بواكي له" وما ذلك الا لصدوعه بالحق ووقوفه في أحرج الاوقات ناصرا للدعوة ومعينا , فأين العلماء والدعاة والوعاظ من مثل هذه المواقف التي سجلها التاريخ هدى ونبراسا لعشاق الحق والحرية والعدل.
وكان الاوزاعي يقول للمنصور" أيَّما وال بات غاشا لرعيته حرَّم الله عليه الجنة"، فأين العلماء الذين يقودون الأمة الى صراطها المستقيم , وأين العلماء الذين يقودون الشعوب للتغيير الحقيقي ... التغيير السياسي والاجتماعي والسلوكي والاخلاقي, فما عادت هذه الأمة تحتمل الذل والهوان .
لقد جفت سواقينا وهدَّ الذل مأوانا.
ولم يترك لنا الأعداء غرسا في أراضينا.
سوى أجياف موتانا.
وحتى موتانا ما عدنا نستطيع دفنهم بالشكل اللائق فهم بين أشلاء ممزقة , وجثث محترقة متفحمة وأكوام متكدسة لا نستطيع الوصول اليها اللهم الا بصلاة للغائب عليهم تزيد النفس حسرات والقلب انفطارا.
انَّ واجب الوقت يحتم على العلماء والدعاة أن ينتفضوا على الواقع المهين الذي ارتضاه البعض ليكون عالم بلاط يفصل الفتوى وفقا للطلب الرئاسي والمبلغ المدفوع .. آن الاوان ان يقوم العلماء المخلصون بدورهم في تجييش الامة للخروج الى الشوارع حتى يفصل الله بين الشعوب وحكامها فأما ان يعودوا الى حظيرة الشعوب وألا فأن تل أبيب وقيسارية وواشنطن وباريس ولندن بانتظارهم ... آن الاوان للعلماء ان يقولوا الحق ويصدعوا به , فقد فضحت غزة الجميع العالم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والشرعي والواجب ان يتجند الجميع لنصرة هذه الثلة المختارة والا فأن سنن الاستبدال بالانتظار , وعلى العلماء الذين هم ورثة الانبياء أن يختاروا بين أن يكونوا من مدرسة سعيد ابن المسيب وخبيب بن عبد الله بن الزبير ومالك ابن أنس وعبد الحميد باديس وحسن البنا وسيد قطب وأحمد ياسين ونزار ريان فيكونوا للأمة شرفا ونبراسا او أن يكونوا من مدرسة المنبطحين المرتمين على درجات وعتبات السلاطين .
نعلم علم اليقين أنَّ العلماء والدعاة المخلصين في هذا الزمان مثلهم كمثل الجُزر في البحار يأوي اليها من انكسرت سفينته في عرض البحر , وهذه الامة ليس لها من بعد الله الا انتم ايها العلماء فخذوا مواقعكم وتنادوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكونوا للناس نبراسا يضيء لهم الطريق ورددوا مع شاعرنا السوري عبد القدوس ابو صالح :
صوغوا على اسم الله من أجيالنا للحق جندا
وعلى خطى"إقبال" ردوا فتنة التغريب عمدا
وعلى خطا "قطب" أعدوا الفن منهاجا ونقدا
وعلى مصابيح النبوة يمموا الهدف الأُسدا
نعم لم تترك لكم ايها العلماء غزة من عذر فأنتم اليوم أمام الامتحان الصعب , فقد غضضنا الطرف عما حدث للمسلمين في لبنان والشيشان وأفغانستنا والفلبين والصومال والعراق والبوسنة والهرسك , وما حلَّ بالمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر . وقلنا لعلهم يتذكرون... على رمال غزة امتحانكم الأخير فأنتم بين أن تكونوا النبراس المنير الوارث الحق للنبوة ... والا سننتظر حتى يأذن الله بالفتح وهو خير الفاتحين , وما ذلك على الله بعزيز .
يا علماء الأمة انتفضوا .
يا علماء الأمة تقدموا.
يا علماء الأمة رصوا الصفوف .
يا علماء الأمة صدحُ بالحق خير من دنيا زائلة