زمرة القلب الواحد ...حديث القلوب الصافية
إلى أحبابي في الله :
دعاء نكرره مرتين في النهار , قد نغفل عن معناه و لكنه يجمع القلوب فيحولها إلى قلب واحد ...
دعاء الرابطة:
ورد القلوب :
" اللهم إنك تعلم .. أن هذه القلوب قد .."أولاً: صفات القلوب:اجتمعت على محبتك.والتقت على طاعتك.وتوحدت على دعوتك.وتعاهدت على نصرة شريعتك.
ثانياً: تربية القلوب:فوثق اللهم رابطتها.وأدم ودها.وأهدها سبلها.
ثالثاً: زاد القلوب:واملأها بنورك الذي لا يخبو.واشرح صدورها بفيض الإيمان بك.وجميل التوكل عليك.
رابعاُ :عمل القلوب:وأحيها بمعرفتك.وأمتها على الشهادة في سبيلك.إنك نعم المولى ونعم النصير.لماذا هذه التقسيمات؟
بالتأمل فيما جعله الإمام حسن البنا ورداً تجتمع عليه القلوب في كل صباح و مساء بعد تدبر
تلاوة الآيات الكريمات( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن
تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في
النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من
تشاء بغير حساب)..يتضح من الآيات أن المظاهر الدنيوية من ملك وجاه ومال وعزة بيد الله تعالى، وقدرته،
وهيمنته ومن خلال التأمل في قدرة الله وصفاته وأسمائه ونعمه، تكون الحقيقة ناصعة،
ويثبت المعنى الرباني من وراء الآيات، فالأمر أمر قلوب تتجه إلى ربها وترتقي في منازل التصعيد حتى تصل إلى
القرب فتحظى بالأنس والبهجة والسرور والفرحة وذلك غاية خلقها ومقصود وجودها.
وعند بداية الغروب يكون مبدئ الليل، تراه القلوب فتفرح وتسعد لأنه لقاؤها مع ربها، مع
محبوبها، ففي الليل إذا نام الناس، وسكن الكون وصمتت الحركات، ينزل الله إلى
السماء الدنيا حيث اللقاء مع القلوب المتيقظة البصيرة، ولذا كان البدء بهذا الدعاء:
" اللهم إن هذا إقبال ليلك ,وإدبار نهارك ,وأصوات دعاتك
,فاغفر لنا "بهذه التهيئة للقلوب أراد الإمام البنا أن ينقل إلينا حاله مع ربه وسعادته وسرور قلبه،
فلم تكن هذه الدعوات باختيارات عشوائية يخطها قلم كاتب، أو فكر مؤلف، وأحسب إن
الإمام أراد بهذا الورد أن تكون الديمومة والاستمرار على دعوة الله تعالى مرتبطة
بالقلوب وحركتها، وكيف تتلقى الحقيقة؟ وتودع فيها؟ ثم تثبت وتستقر ! ثم تستمر
ويداوم عليها! وبهذا أراد أن يضمن للإخوان جميعاً أن يستمروا على دعوة الله تعالى،
تحركهم الحقيقة ثابتين مستقرين، مستمرين مداومين، فقال رضي الله عنه مفتتحاً ورد
القلوب:
" اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب "
1- اللهم:هل تريد أن تعيش على الأرض وأنت في
الجنة؟ هذا ما سأله السلف لأتباعه فقالوا جميعاً:نعم، فأبلغهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة ؟
قال: حلقُ الذكر..والقلوب تضطرب وتقلق ولا تهدأ إلا بسكينة من الله فتزداد إيمانا، وبمداومة الذكر يقذف الله في القلوب الطمأنينة فتقر
دوماً، وتهدأ أبداً، فالسكينة جزء من الطمأنينة، لأنها وقتية أما الطمأنينة فهي دائمة ( ألا بذكر القلوب تطمئن القلوب).والذاكرون هم السابقون الفائزون لمناجاتهم، فالمناجاة حياة مع الحبيب تعالى، لقد كان أحدهم يتهيأ ليسأل الله حاجته
فيدخل في مناجاة ربه فتنسيه المناجاة حاجته، من لذتها وحلاوتها، وجلالها وجمالها، فيقضي الله حاجته دون أن يسأله إياها.ولقد كان بدء الدعاء بكلمة (اللهم) بما فيها من فقر وذلة وانكسار وعبودية، فهي مفتاح المناجاة، وعنوان الذاكرين، وعلامة الخضوع لرب العالمين.
2- إنك تعلم (أن هذه القلوب):من جمال الدعاء مع رب العالمين أن تدعو الله تعالى وقد أديت ما عليك، وأن تقدم عملك بين يدي دعائك، وتدعوه وأنت
متيقن من الإجابة، فأراد الإمام البنا أن يقدم جهد القلوب مع ربها، وما اتصفت به من صفات تؤهلها لاختيار الله تعالى لها، لتصنع على عينه فقال: (إنك تعلم)( أن هذه القلوب قد)وعلى عادة الإمام البنا أن ينادي من
الإخوان العاملين (الإخوان الصادقين) فيوجه إليهم رسائل خاصة في الفهم والتكوين
والعمل، كذلك فهذه القلوب هي قلوب بعينها، وليست مختارة عشوائياً، وإنما هي التي
حققت صفات معينة، ولذا جاءت هذه المؤكدات(أن) (هذه القلوب)(قد)، لتكون منزلة
لا يصل إليها إلا من قام بحقها من الإخوان الصادقين. وليس معنى ذلك أن ورد القلوب يصلح
لأناس ولا يصلح لغيرهم أو هو حجر على مجموعة بعينها، وإنما الأمر أمر تسابق في
الخيرات ومسارعة في تحقيق الصفات، لأن الإسلام يفتح طريق السالكين إلى ربهم ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) ، ولما كان
الأمر يختص بالقلوب فكان أولى بالسالكين أن يسارعوا الخطى، فما أبدع التشمير
والاجتهاد للوصول إلى رب العالمين، وهل يدندن الصالحون والصادقون إلا حول هذا المعنى ؟!
أولاً: صفات هذه القلوب:
1- اجتمعت على محبتك:هذا هو الاجتماع الذي لا يعرف توقفاً أو تعثراً، لأنه الاجتماع الموصول المستمر المتواصل، القائم على محبة الله تعالى،
وذلك لأن المحبة هي أرقى منزلة من منازل السائرين إلى الله حيث تتحقق العبودية
المحضة لله رب العالمين، وفي مشاهد هذه المنزلة أحلى وأبهج اجتماع حيث يتروح
العابدون بنسيمها، لأنها قوت القلوب وقرة العيون وهي الحياة الحقيقية والنور
والشفاء، بل واللذة الكاملة. ومن أجمع ما ذكره أبو بكر الكتاني
قال: جرت مسألة في المحبة بمكة فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد أصغرهم سناً،
فقالوا: هات ما عندك. فأطرق رأسه ودمعت عيناه ثم قال:عبد ذاهب عن نفسه..متصل بذكر
ربه..قائم بأداء حقوقه..ناظر إليه بقلبه..فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن
تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله فهو بالله ولله ومع الله.فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جزاك الله يا تاج العارفين. ولقد علق الإمام ابن القيم على معنى المحبة في منظور اللغة بقول بديع: ( فإنها صفاء المودة وهيمان إرادات
القلب للمحبوب وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد، وثبوت إرادة القلب
للمحبوب، ولزومها لزاماً لا تفارقه، لإعطاء المحب محبوبه لُبّه، وأشرف ما عنده،
وهو قلبه ..) المدارج/ج3.فبالله عليك أختي اجتماع قلوب على محبة الله تعالى بهذه الحقيقة وبهذه المعاني.. هل يتوقف أو تعثر أو يزول، إنه
اجتماع ثابت مستمر، لازم مستقر، ورحم الله الإمام البنا وهو يبدأ بهذه الصفة في قلوب الإخوان كأساس في السلوك وارتقاء في القرب من الله تعالى.
2- والتقت على طاعتك:أهل الطاعة بل قل أهل العبادة، التي هي غاية مرادهم، ما يزدادون إلا طلبًا من الله أن يعينهم ويوفقهم للطاعة، وهذا ما
علمه رسول الله الحبيب صلى الله عليه وسلم لحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: ( يا معاذ والله إني أحبك، فلا تنس أن
تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).وأهل الطاعة هم أهل الإخلاص والمتابعة، فأعمالهم كلها لله وأموالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله،
وبغضهم لله، ولا يريدون من الناس جزاءاً ولا شكورا. وكذلك أعمالهم وعبادتهم
وطاعتهم موافقة لأمر الله ولما يحبه ويرضاه، ومن أجل ذلك كان ابتلاء الله للناس:
( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا).وكان الفضيل بن عياض يقول: العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه، ويتلو
قوله تعالى: ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)، وفي الصحيح
من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد).وأهل الطاعة هم أهل الذلة والخضوع لله رب العالمين، ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم
الخيرة من أمرهم) ولأنهم عبيد إلهيته والناس جميعاً عبيد لربوبيته: ( فبشر عباد الذين يستمعون القول
فيتبعون أحسنه) فأوجب ذلك عليهم طاعة قلوبهم لله تعالى، فمن عطلها عطل الطاعة كلها،
لأن القلب للجوارح كالملك، فإن قام بمهمته قام هو ورعيته، ومن ثم كان حرص الإمام
البنا أن تكون هذه الصفة من صفات القلوب ( والتقت على طاعتك).
3- وتوحدت على دعوتك:المقصود بالدعوة التي نسبها الإمام الشهيد إلى الله تعالى هي رسالة الإسلام وأصحاب الرسالة هم هذه القلوب التي توحدت
في فهمها للرسالة، وتلقيها وتصوراتهم عنها، ثم توحدت عملاً وتطبيقاً وممارسة
للرسالة كما أنزلها الله تعالى، ثم توحدت سعياً وتشميراً وجهاداً في نشرها على ربوع الأرض والتبشير بها في العالمين.
4- وتعاهدت على نصرة شريعتك:إن هذه القلوب التي تهيأت من قبل ربها لمنزلة القرب منه، فكان اجتماعها على محبته، والتقاؤها على طاعته، وكانت صفاً
متيناً فتوحدت على دعوته فهماً وعملاً ونشرا.. أعدها الله لدور الأنبياء وكان عملهم عمل الأنبياء، فهم المصلحون حين الغربة.
ثانياً: تربية القلوب:ومن هنا يبدأ الدعاء لله تعالى ليأخذ بهذه القلوب في صناعة ربانية، وتربية إلهية، وهي تسلك طريق الأنبياء، وتعمل عملهم،
وتمكن لرسالة الله في أرضه.
1- فوثق اللهم رابطتها:في مفهوم الإمام البنا وهو يدعو بهذا الدعاء هو أحد أركان البيعة العشرة: "الأخوة " التي فسرها بقوله أن
ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة والعقيدة أوثق الروابط وأعلاها والأخوة أخت
الإيمان والتفرق أخو الكفر، وأقل القوة قوة الوحدة ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب
سلامة الصدر وأعلاه مرتبة الإيثار. (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).والأخ الصادق يرى إخوانه أولى به من نفسه، لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره،
وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) وهذا ما جاء به الإسلام وعاش فيه
الأوائل قال صلى الله عليه وسلم: ( المرء كثير بإخوانه) عاشها أبو أيوب السختياني رضي الله
عنه فكان يقول: ( إذا بلغني موت أخ لي فكأنما سقط عضو مني). وذلك لأن للأخوة لغة خاصة بها، لا
يعرفها إلا من عاشها وتذوق حلاوتها وقد قيل في ذلكإنه لا يضيق سمّ الخياط على متحابين ولا تسع الدنيا متباغضين)هل تكوّن القلب الواحد والشعور الواحد والأمل الواحد والألم الواحد إلا بها ؟لقد كانت الأخوة هي الترنيمة التي تهنأ بها النفوس والواحة التي في ظلها ترتاح القلوب بعد عناء .. وهذا ما دفع بمحمد
بن واسع إلى قولهلم يبق من العيش إلا ثلاث: الصلاة في جماعة. وكفاف من معاش. وأخ محسن العشرة)يقول الشهيد سيد قطب في الظلال عن
هذه الرابطة: ( إنها المعجزة التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، معجزة تحول القلوب
المتنافرة إلى كتلة متواصلة متآخية ذلول بعضها لبعض، محب بعضها لبعض متآلف بعضهم
مع بعض ( ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ). وهذه المعجزة تصنعها العقيدة، إنها
حين تخالط القلوب تستميل إلى مزاج من الحب والألفة ومودات القلوب التي تلين جاسيها
وترفق حواشيها وتندى جفافها وتربط بينهما برباط وثيق عميق رقيق فإذا نظرة العين
ولمسة اليد ونطق الجارحة وخفقة القلب ترانيم من التعارف والتعاطف والولاء والتناصر
والسماحة والهوادة لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب ولا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب.
2- وأدم ودها:المودة في الإسلام رزق من الرحمن فإن رزقك الله مودة أخ فحافظ عليه وتمسك به:فإن صد عنك أقبل عليه..وإن أبعد عنك ادن منه..وإن حرمك أبذل له..حتى يكون ركناً من أركانك...فإن من أعظم العيب التلون
في الوداد. فمن أعجز الناس من ظفر بالإخوان ثم
لا يحافظ على ودادهم، وأضاع المودة التي هي ماء الحياة .. بأن يكون ذا لونين، وذا
قلبين ولم يوافق سره علانيته، وقوله فعله، فلا خير في متآخين ينمو بينهم الخلل..فعلى العاقل أن يحافظ مهما كان على ماء مودة الإخوان أن تدوم .. وليس السبيل إليها في الاجتماع والمؤاكلة والمشاربة
فحسب، بل يمكن اجتماع هذه الأسباب ولا يزداد المجتمعون بذلك مودة !! وإنما الأسباب
كما بين ابن حبان: ( في القصد، وخفض الصوت، وقلة الإعجاب، ولزوم التواضع، وترك الخلاف،
وعدم الإكثار على الإخوان بالأعمال فيملوا ويسأموا، لأن المرضع إذا كثر مصه ربما ضجرت أمه فتلقيه).ولذا عليك .. عليك .. بالإخوان..
فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء، خرج ابن مسعود يوماً على أصحابه فقال:" أنتم جلاء حزني "فصحبتهم سرور، ومجالستهم حياة، وإنهم لخير من كنز الذهب والفضة، يفنى الكنز وهم كنز لا يفنى ..
3- واهدها سبلها:يقول تعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )فهل بتوثيق الرابطة وإدامة المودة
تضمن القلوب كمال التربية وجلال الصناعة الربانية؟ لا بد أن تحاط بسياج متين ركين
يضمن لها الاستمرار والثبات، فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام،
ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل فإن حصل البيان ترتب عليه هداية
التوفيق، وجعل الإيمان في القلب وثباته وتحبيبه وتزيينه في القلب، وجعله مؤثراً له
راضياً به راغباً فيه بالقول والعمل والعزم ثم إدامة ذلك والثبات عليه إلى الوفاة،
ومن ثم كان سؤال الرب الهداية هو سؤال التثبيت والدوام بعد استكمال هذه الأمور.
ثالثاً: زاد القلوبإجمالاً:
1. واملأها بنورك الذي لا يخبو.
2. واشرح صدورها بفيض الإيمان بك.
3. وجميل التوكل عليك.تفصيلاً:
1- واملأها بنورك الذي لا يخبو:إن القلب يحتاج إلى زاد ليواصل مسيره
إلى ربه، وقلب الإخوان في أمس الحاجة إلى حفظ هذا الزاد، وأول الزاد أن يقذف الله
نوره في هذه القلوب فتنتبه فلا تنام، وتستنير فلا تغفل، ثم يقذف فيها نوراً من
لدنه فتؤتى البصيرة، فترى رأي العين فتفهم كتاب الله ودينه وتتفجر ينابيع من
المعارف لا تنال بكسب ولا دراسة، ثم يقذف نوراً في هذه القلوب فتفرق بين الحق
والباطل وبين الصادق والكاذب قال تعالى: ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين) ، يقذف نور
الحكمة في هذه القلوب: فتفعل منا ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي،
يقول تعالى: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله
في الظلمات ليس بخارج منها).أرأيت أن نور الله لا يخبو أبداً،
يرقى بالقلوب من لحظة انتباهها إلى لحظة قربها من ربها، ولذلك كان أول الزاد هذا
الصفاء في القلوب إلى الارتقاء والتصعيد في أنوار الله تعالى من منزلة إلى أخرى.
2-واشرح صدورها بفيض الإيمان بك:ومما كان عليه اجتماع السلف: أن
الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن المعصية تأكل الإيمان ولها آثارها
النكدة على صاحبها وكذلك الإيمان يزداد في القلوب وتظهر آثاره على الأبدان
والجوارح يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم
بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، ويقول تعالى: ُقلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ).وقد جعل الله سبحانه للحسنات
والطاعات آثار محبوبة لذيذة طيبة، لذاتها تفوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة يقول ابن
عباس: إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق،
ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في
البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق.وكلما زادت الطاعات فاض الله بزيادة
الإيمان مع إيمان القلوب فتنشرح الصدور وتنبسط، فإذا بالقلوب تفرح بربها، ولا ترفع
رأسها إليه حياء ًوخجلاً من الله، قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعم يسجد
سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء فهذا سجود القلب. وإذا سجد القلب سجدت معه جميع الجوارح.وبهذا الوصف تنشرح الصدور وإن كان
البدن سقيماً، تنشرح الصدور وإن كان البدن سجيناً مكبلاً، تنشرح الصدور وإن كان
البدن متأوهاً متعذباً متألما.. فاشرح يا ربنا صدورنا بفيض الإيمان بك.
3-وجميل التوكل عليك:يقول تعالى على لسان أنبيائه: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ
عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا
وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )، والتوكل هو
عمل الأنبياء القلبي، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا
الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا له: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). وقد اختار الإمام البنا أن يدعو الله
تعالى ( بجميل التوكل عليك) وذلك لأن التوكل أنواع: منها توكل في
استقامة في النفس ومنها توكل في حفظ الحال مع الله بعيداً عن الناس، ومنها توكل
على الله في مقصود يناله منه من رزق أو عافية أو نصر على عدو أو طلب زوجة أو ولد،
وقالوا إن أفضل التوكل ما كان في الدوائر الثلاثة: واجب الحق وواجب الناس وواجب النفس.أما أوسعه وأنفعه وهو ما يعرف بجميل
التوكل: فهو ما كان في التأثير في الآخرين في مصلحة دينية أو دفع مفسدة دينية، وهو
توكل الأنبياء في إقامة دين الله ودفع فساد المفسدين في الأرض وهذا توكل ورثتهم،
وهو ما قصده الإمام البنا في دعائه ( وجميل التوكل).أما (عليك) فكما قيل: (من صدق توكله
على الله في حصول شيء ناله) لقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).رابعاً: عمل القلوب :
1- وأحيها بمعرفتك:إن الحياة لا تكون إلا بمعرفة الله
عز وجل: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي
بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)
ويقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).
2- وأمتها على الشهادة في سبيلك:هل الموت نهاية أم مرحلة؟ .. إن خلاص
الروح من سجن البدن هو حياتها فإن من ورائه روحاً وريحاناً وراحة، قال بعض
العارفين: لتكن مبادرتك إلى الخروج من الدنيا كمبادرتك إلى الخروج من السجن الضيق
إلى أحبتك، قال تعالى: (َأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ
وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)، ففيها مرافقته الرفيق الأعلى، ومفارقة الرفيق المؤذي النكد،
ومخالطة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسن
أولئك رفيقاً، في جوار الرب الرحمن الرحيم، وكما يقول الرافعي في وحي القلم: (إن
الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها). ومن ثم اختار الأصحاب رضوان الله
عليهم موتتهم فكانوا يلبون داعي الجهاد، ويبلون في الوغى، ويبتسمون للموت إن جاء،
فقد صنعوا موتتهم، كما أطلق عليها الإمام البنا في مجلة النذير: صناعة الموت، ومن
كثرة اهتمامه بالحديث عن الموت، اعتبره صناعة على الأمة أن تحسنها لأن الموت ثمن
الحياة، وفي موضع آخر نظر إليه باعتباره فناً فيقول تحت عنوان (فن الموت): الموت فن، وفن جميل على مرارته، بل
لعله أجمل الفنون إذا تناولته يد الفنان الماهر، وقد عرضه القرآن على المؤمنين
عرضاً جعلهم يحرصون عليه ويحبونه حب غيرهم للحياة، ويكفي أن يترجم الإمام هذا
الكلام إلى عمل حقيقي فيواجه الموت ولا يتخلف عن داعي الدعوة والعمل والجهاد،
فيكون أول شهيد للدعوة في عصر الصحوة، ليرسم قدوة ويكون نبراساً للأجيال، وعلى
القلوب أن تعي الدرس وتدرك العظة، يقول الإمام مخاطباً الإخوان: " أيها
الإخوان، إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها
الحياة العزيزة، فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة، رزقنا الله
وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله".ولذلك كان من شعار الإخوان (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا).
وأخيراً..خاتمة ورد القلوب الواحدة :سنبدأ بمقولة كتبها مصطفى صادق الرافعي في كتابه وحي القلم:
( ولا يزال دائماً يُقال للإنسان في قلبه: إن الخطأ أكبر الخطأ أن تنظم الحياة من
حولك وتترك الفوضى في قلبك!)...و القلوب إذا صفت و تعلق بالله تحولت إلى زمرة
واحدة و لكأنها قلب واحد. وهذا
ما أراده الإمام البنا فقد جاءت صفات القلوب بهذه الأفعال اجتمعت) (التقت) (توحدت) (تعاهدت) ..