السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
اللهم لا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا
الحقد داءٌ دفينٌ ليس
يحمله *** إلا جهولٌ ملـيءُ النفس بالعلل
مالي وللحقد يُشقيني
وأحمله *** إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟!
سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب
لي *** ومركب المجد أحلى لي من الزلل
إن نمتُ نمتُ قرير العين
ناعمـها *** وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
وأمتطي لمراقي المجد
مركبــتي *** لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مُبرَّأ القلب من حقد
يبطئـــني *** أما الحقود ففي بؤس وفي خطــل
إن الحقد حمل ثقيل يُتعب
حامله ؛ إذ تشقى به نفسه ، ويفسد به فكره ، وينشغل به باله ، ويكثر به
همه وغمه . ومن عجبٍ أن الجاهل الأحمق يظل يحمل هذا الحمل الخبيث حتى
يشفي حقده بالانتقام ممن حقد عليه . إن الحقد في نفوس الحاقدين يأكل
كثيراً من فضائل هذه النفوس ، فيربو على
حسابها.
معنى
الحقد
إذا نظرنا إلى الحقد
وجدناه يتألف من: بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد
حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه. فالحقد إذاً هو إضمار العداوة في
القلب والتربص لفرصة الانتقام ممن حقد عليه.
لقد امتدح الله المؤمنين
الذين صفت نفوسهم ، وطهرت قلوبهم ، فلم تحمل حقدًا على أحد من المؤمنين
: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ
اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ
هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ
فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)
[الحشر:8- 11].
وقد تضعف النفس أحيانًا
فتبغض أو تكره ، لكن لا تستقر هذه البغضاء في نفوس المؤمنين حتى تصير
حقداً ، بل إنها تكون عابرة سبيل سرعان ما تزول ؛ إذ إن المؤمن يرتبط
مع المؤمنين برباط الأخوة الإيمانية الوثيق ؛ فتتدفق عاطفته نحو إخوانه
المؤمنين بالمحبة والرحمة ، فهل يتصور بعد هذا أن يجد الغل والحقد إلى
قلبه سبيلاً ؟
حكم
الحقد
لقد عد بعض العلماء الحقد
من كبائر الباطن التي ينبغي على المؤمن أن يتنزه عنها ، وأن يتوب إلى
الله منها.
علاج
الحقد
أما علاج الحقد فيكمُنُ
أولاً في القضاء على سببه الأصلي وهو الغضب ، فإذا حدث ذلك الغضب ولم
تتمكن من قمعه بالحلم ، تذكُّر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما ، فإن الشعور
بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا ، وعليه أن يحذّر نفسه
عاقبة الانتقام ، وأن يعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته ، وأنه
سبحانه بيده الأمر والنهي لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه ، هذا من
ناحية العلم ، أما من حيث العمل ، فإن من أصابه داء الحقد ، فإن عليه
أن يكلف نفسه أن يصنع بالمحقود عليه ضد ما اقتضاه حقدُهُ ، فيبدل
الذمَّ مدحاً ، والتكبُّر تواضعاً ، وعليه أن يضع نفسه في مكانه ،
ويتذكر أنه يحب أن يُعامل بالرفق والوُدِّ فيعامله
كذلك.
إن العلاج الأنجع لهذا
الداء يستلزمُ أيضًا من المحقود عليه إن كان عادياً ( معتديا ) على
غيره أن يُقلع عن غيِّه ويصلح سيرته ، وأن يعلم أنه لن يستلَّ الحقد من
قلب خصمه إلا إذا عاد عليه بما يُطمئنه ويرضيه ، وعليه أن يُصلح من
شأنه ويطيب خاطرَهُ ، وعلى الطَّرف الآخر أن يلين ويسمح ويتقبل العُذر
، وبهذا تموتُ الأحقادُ وتحلُّ المحبةُ
والأُلفة.