تامر: آيات قرآنية سمعتها من والدتي أعادتني للحياة
- فخر الدين: قلبي توقف أثناء التعاطي فشعرت أن الله قريب
- محمد: شاهدت صديقي وهو يُحتضَر فعزمت على التوبة
لاقى الحوار الذي نشره (إخوان أون لاين) مع المدمن التائب أصداء واسعة؛ حيث تحدَّث إلينا عدة نماذج جديدة من أمثال عبد الله، أضافوا جميعهم معاني جديدة، وكشفوا عن تجارب ثرية، تؤكِّد أن عقاقير الإيمان الممزوجة بالعزيمة هي خير دواء لهذه العادة الذميمة، ولتنتهي بعد ذلك مقولة "مستحيل أبطل إدمان".
التقينا شبابًا غرهم الأمل الدنيوي، وسقطوا في براثن الهوى؛ فَضَلُّوا عن الطريق، وساروا في ظلمة الليل بلا صديق ولا معين، سوى أهوائهم وأصحاب السوء، وبعد ما عادوا للطريق الصحيح تحدثوا عن جهاد من نوع خاص، وهو جهاد التخلص من آفة يراها بعض الأطباء مستحيلة الحدوث؛ ليضربوا أفضل نموذج في العزيمة والصبر، وأن إرادة الله فوق كل شيء.
وكانت الرسائل الربانية بمثابة المنبهات لخطورة ما هم فيه؛ فأحدهم يسمع تارةً عن صديق لهم، تُوفي أثناء تعاطي المخدرات، وآخر والده تُوفي بسببه، وثالث اقتحم شقةً وسرق من أجل الحصول على أموال؛ لشراء تلك المواد المخدرة، فبدأت صفحات ذلك الطريق المظلم تنفذ لها بعضًا من الضوء، فإلى التفاصيل:
دموع الندم
في البداية يروي الشاب تامر عبد القادر أن قصة إدمانه بدأت عندما رسب في إحدى السنوات بالجامعة؛ ويقول إنه كان مرفهًا ولديه سيارة، تعرَّف وقتها على مجموعة من الشباب؛ ليساعدوه على الخروج من الحالة النفسية السيئة التي يمر بها بعد رسوبه؛ إلا أنهم أخذوا به إلى الهاوية، فبدأوا يعودونه على شرب السجائر مرورًا بالتعاطي ثم الحقن؛ حتى صار مدمنًَا، ودخل في مأساة أخرى.
وفي إحدى المرات كان يريد أن يشتري المادة المخدرة، فلم يجد أموالاً معه، فقام ببيع السيارة التي يمتلكها، حتى يتمكن من الحصول على المخدرات، ويضيف تامر أنه كان يلاقي معاملةً قاسيةً من أهله فور معرفتهم بإدمانه، فكان دائمًا ما يهرب من نصحهم وتوبيخهم له، بالذهاب إلى رفقة السوء كما يطلق عليهم الآن الذين كانوا سببًا في عدم سماع نصائح والديه، ويقولون له: لا تهتم سوف ننسيك كل ما يغضبك، ويستطرد تامر ودموع الندم تتدفق على خديه، قائلاًً إنه بعد أن قام ببيع سيارته، ولم يصبح لديه مال لشراء المخدرات، والذي على إثره طلب من أحد أصدقاء السوء أن يقوم بدعمه ماديًّا، وهنا كانت الصدمة؛ حيث تهرب منه.
ويحكي تامر أنه عاش لحظات ألم شديدة، حينها قام أهله باصطحابه إلى مصحة نفسية للإدمان؛ ولكنه هرب بسبب عدم قدرته على المثابرة، وتوجه أهله لإرجاعه مرةً أخرى، وظلوا بجواره يدفعون به، وكانت أمه تذهب إليه في المصحة كل أسبوع تقرأ بجواره القرآن، ثم تقبِّل رأسه، ثم تنصرف بعد أن تقول له "أنا عارفة إنك هتتغير وهتبقى أحسن"، يذكر لنا تامر أن تلك الكلمات كانت بمثابة بلسم يريح قلبه، ويقوي من إرادته، فكان يجول بخاطره حال أمه، وهي تقرأ القرآن بجواره، وزميله الذي كان يظن أنه صديق العمر يتهرب منه، وكأن تلك الرسالة الربانية التي أرسلها الله إليه، فإذا به يطلب من الأطباء كورسات مكثفة من العلاج، مؤكدًا لهم أنه سيتحمل تلك الصعاب.
وبعد ستة أشهر تمكَّن تامر من العودة إلى منزله، وهو الآن يحدثنا بعد مرور عامين على إقلاعه عن الإدمان؛ ليؤكِّد لنا أنه منذ خروجه لم يتذكر "شلة الإدمان"، بل تعرَّف على صحبة جديدة صالحة، وتزوَّج من فتاة تبدو عليها مظاهر الالتزام كانت بمثابة الحصن الذي يحميه من الانزلاق مرةً أخرى في براثن الضلال، وأنجبوا جنة الرحمن.
عودة الأمل
الشاب فخر الدين كان مشروعًا لبطل أوليمبي، أحبطه عالم الإدمان، ويحكي فخر الدين قصته، مؤكدًا أن الطريق الصحيح هو الأفضل؛ رغم أنه مليء بالعثرات والصعاب، إلا أنه يعد ثمنًا قليلاً للمتعة الأبدية وسعادةً لا تنجلي، ونورًا في الوجه، وسعةً في الرزق.
ويسترجع فخر الدين قصة تعافيه من الإدمان، مشيرًا إلى أن سبب إقلاعه عن الإدمان أنه "شاهد الموت بعينيه" على حدِّ وصفه، وذلك في إحدى مرات تعاطيه الهيروين؛ حيث كان يجلس مع زملائه يتناوبون الحقن والتعاطي، وحينها شعر بانقباض في صدره، وعدم قدرته على التنفس، وقتها ظن زملاؤه أنه قد يُحتضَر، فأخذوه مهرولين إلى أقرب مستشفى؛ حيث كان فاقدًا الوعي، ولكن العناية الإلهية أنقذته، مشيرًا إلى أن الأطباء أكدوا له بعد إنقاذه أن ضربات القلب تقريبًا كانت قد توقفت، وعادت مرة أخرى خلال ثواني معدودة.
يبكي فخر حزنًا على ما فاته من آمال وأحلام في تحقيق بطولات في الأوليمبياد التي ظن مخطئًا أنه قد يحققها إذا تناول منشطات وعقاقير، وفي نهاية المطاف كان الهيروين والمخدرات، مؤكدًا أنه منذ أن عاد للحياة بعد ما عاش لحظات الموت، شعر بفضل كبير من الله عليه، وساعده أكثر شهر رمضان المبارك الذي أتى بعد تماثله للشفاء مباشرة، ليكمل شفاءه في المنتجع الإيماني الرمضاني، وكان أصحاب السوء حينها يغرونه للعودة مرة أخرى، وذات ليلة توجه للمسجد لصلاة التراويح، وأكثر من الابتهال لله قائلاً: "يا رب نَجِّني من القوم الظالمين"، وكأنَّ أبواب السماء كانت مفتحة؛ لتمر 8 سنوات الآن على فخر الدين بلا إدمان، وبلا أصحاب سوء، بل سار على الطريق الصحيح مع صحبة صالحة تعينه وتقويه.
سكرات الموت
"أصعب لحظة أن ترى بعينيك وفاة أغلى الناس وأعز الأصدقاء" جملة قالها بتأثر شديد الشاب محمد، فكانت عيناه ممتلئةً بدموع الحزن والألم، وكأننا ضغطنا على جرح غائر؛ فكانت وفاة أغلى أصدقائه، وهو يقوم بعملية "الحقن"، بمثابة الصدمة التي جعلته يفيق من وهم المتعة اللحظية، ويشير محمد أن صديقه أيمن كان بمثابة العون له، وحدثت الفاجعة أن يضيع أيمن من بين يدي محمد، أثناء قضاء لحظة من لحظات إدمانهم ؛ بينما هم يطلقون الضحكات ويمرحون فإذا بأيمن يصرخ بصوت عالٍ: أنقذني يا محمد، أنقذني!!، فينقض عليه محمد ظنًّا منه أنه قد ينقذه، فإذا هي سكرات الموت.
ويصرخ محمد بفزع: "أيمن مات، مات، لا تتركني"، وكانت هذه آخر الكلمات التي تحدثها محمد مع أغلى أصدقائه؛ لتكون تلك اللحظة المؤلمة درسًا له طوال عمره، ويدرك أن الله قريب جدًّا ومطلع وليس ببعيد عن عينيه؛ خاصةً أنهم كانوا يذهبون بعيدًا للتعاطي، حتى لا تراهم أعين الناس، ولكنهم تناسوا أن عين الله لم تنَم.